بم تسمــى ليــالي الشـتـــاء الـبـــاردة ولمـــاذا؟«الحسوم» إلى «العزارة» إلى «قرة العنز» ومرادفات أخرى متنوعة لليالي السود.. الليالي البيض.. قرة العنز.. الحسوم.. وتسميات أخرى كثيرة ترددت على مسامعنا ونحن صغار... ومازلنا نسمعها ونراها مسجلة على العديد من الرزنامات تؤرخ لفترات أو لأيام. أو لمراحل معينة.. وهي تسميات لها تاريخ.. ومكانة عند كبار السن وخاصة منهم الفلاحين.. فعليها يضبطون مواعيد البذر والزرع والحصاد.. ومن خلالها يستعدون لمواسم الامطار.. حسهم هو دليلهم ومعتقدهم وتجربتهم في الحياة العملية تساعدهم على التمسك بتلك التسميات التي حاولنا البحث عن مفهومها أو مرادف لها في القاموس الشعبي، من خلال عدد من المستجوبين من كبار السن على أساس أن «الصغار» لا يعرفون هذه التسميات...
عدنا بهذه الحصيلة دورة زمنية، متكونة من أربعة فصول، تأتي على مدار السنة، ونظرا لأهمية أمطار الشتاء وثراء مياهها علاوة على شدة برودة هذا الطقس.. ركز الفلاحون قديما على التغيرات والتطورات التي تحصل خلال الفترة الممتدة من يوم 29 نوفمبر إلى غاية يوم 20 مارس من كل سنة، وهي فترة فصل الشتاء منذ دخوله حتى اعتدال الربيع.. أسماء دخلت في عاداتنا وأصبحت وسيلة للمعرفة في مجال الطقس، حيث أن تسمياتها تدل على حدتها وقساوة طقسها كما تدل على لطفها وروعتها.. تناقلتها الأجيال وتواصلت حتى يومنا هذا..
ثماني فترات وثمانية مسميات مختلفة تنطلق بالليالي البيض مرورا بالليالي السود نزولا عند العزارة وقرة العنز ثم أيام جمرة الهواء والماء والتراب ثم أخيرا الحسوم، أسماء توارثناها هنالك من يعرفها وهنالك من يجهلها، ورغم أن العلم فنّد هذه الاسماء إلا أنه أكد مطابقتها علميا لهذه الاحداث ودقتها سواء على مستوى الطقس أو على مستوى الفلاحة وطبيعة الزراعة.
برده في العظام تصطك منه الاسناناستقبلنا السيد التيجاني المهيري بهيبة آبائنا وثراء عقولهم وحدة تذكرهم، حيث اشتد عوده، وقلّ كلامه، حدثنا عن
الليالي البيض التي قال إنها تمتد من 25 ديسمبر الى 13 يناير من كل سنة، حيث يشتد فيها البرد وتكثر فيها العواصف «ونحس فيها بدخول فصل الشتاء الذي يباغتك برده في العظام وتصطك منه الأسنان».
وبين محدثنا أن لياليها تكون دافئة هادئة أما في النهار فيكون الطقس فيه شديد البرودة لمدة 20 يوما متتالية، و«ترقد فيها النباتات» وكل ما له علاقة بالطبيعة.
أما عن دخول
الليالي السود فتكون مباشرة إثر خروج الليالي البيض يوم 14 يناير الى يوم 2فبراير من كل سنة ويقال عن هذه الليالي إنها شديدة البرودة في الليل الى حد العواصف ودافئة في النهار، وتمتد على 20 يوما يكون البرد فيها قارسا... لكن ذلك لا يمنع أن الفلاحين يتفاءلون بها حيث يردد الكبار «الليالي السود يفتح فيها كل عود»، فخلال هذه الفترة الزمنية تأخذ كل المزروعات أشكالها وتبرز ورودها وزهورها لكي تواصل نموها بقية فصل الشتاء!
غطاء أخضر يغطي الجدران والبيوترجل جمع في كلامه بين العربية والفرنسية، ملامح وجهه تدل على قسوة الزمان والمكان في الماضي، تحدث إلينا عمّ حرار بحدة وصرامة وكأنه يقف في صف مدرسي وقال بصوت عال إن «ا
لعزارة» التي تأتي مباشرة بعد الليالي السود وتنطلق يوم 3 فبراير الى غاية 13فبراير من كل سنة تتميز بشدة رياحها وقسوة نهارها وليلها. وعن «
قرة العنز» التي تأتي مباشرة بعد «العزارة» من 14 فبراير الى غاية 20فبراير من كل سنة، فهي تعتبر فترة شديدة البرد وقاسية، ويقال عن هذه الفترة مثل شعبي تداوله الأجداد «
تجمبر كول وقمبر» بما معناه أن هذه الفترة من قساوة بردها، كانوا قديما يجمعون العولة أي البقول الجافة والكسكسي الدياري وكل ملزمات البيت تحسبا لفترة «قرة العنز» التي تجمد العروق في الجسد من شدة بردها! على حد تعبير محدثنا الذي بين أن هذه الفترة من الشتاء ينزل فيها الثلج والبرد تقريبا على كامل الاراضي مما يثري مخزون المياه.
علامات دالة على تغير الطقسحدثنا السيد محمد بسعة في القدر والبال عن هذه الايام والليالي التي تعتبر طريق الفلاح ورزنامته قديما وحديثا لمعرفة موعد الزرع والحصاد، حيث أشار ببساطة في الكلام نزول جمرة الهواء حيث تكون الريح قوية وعاتية، تتزامن يوم 20 فبراير من كل سنة تم تليها جمرة الماء حيث أن أمطارها غزيرة ودافئة وتتزامن ويوم 27فبراير من كل سنة.
وبين محدثنا أن بدخول الربيع بعد هذه الأيام لا يعني توقف الرياح ونزول الأمطار حيث يزورنا «
فورار» وتعتبر هذه المساحة هي مرحلة انتقالية من فصل الشتاء البارد الى فصل الربيع النسبي البرودة ويكون طبيعيا يوم 28 فبراير من كل سنة، وأكد محدثنا أن في هذه المرحلة من كل سنة يتداول الفلاحون قديما قولهم المأثور «
خرجت منك سالمة جاك فورار لوّحلك قرونك وراء الدار».
فهذه الكلمات تعبر عن تداخل الطقس في هذه المرحلة بين الامطار الغزيرة والشمس والسماء الصافية وأضاف السيد محمد أن يوم 6 مارس من كل سنة يحين فيه نزول «
جمرة التراب»، في هذه الفترة من كل سنة عندما تلامس التراب بيدك أو بأقدامك تجده دافئا جدا وهي علامة على تغير الطقس الى الدفء ويحنّ فيها الناس الى فصل الصيف.
تسميات متشعبةالسيد بشير الذي أحيل على التقاعد حديثا قال ضاحكا إنه تجاذب أطراف الحديث مؤخرا مع والده حول هذه الأيام وأفادنا أن
الحسوم يبدأ فيه اعتدال الربيع حيث تقل الرياح وتصبح الامطار الغزيرة رذاذا وأشار وهو مستمتع بالحديث معنا أن هذه الايام تمتد من 10 الى 17 مارس من كل سنة حيث يقال فيها مثل متداول وهو «الحسوم نحي كساك وعوم وزيد 40 يوم» حتى تشتد الحرارة.
وأكد السيد بشير أن أيام «الحسوم» تكون آخر مرحلة بين فصلي الشتاء والربيع حيث تحصل مباشرة ظاهرة أخرى وهي استواء الليل والنهار ويحدث ذلك قبل انتهاء «الحسوم» بيوم أي يوم 16 مارس من كل سنة. ويدخل مباشرة الاعتدال الربيعي الذي يوافق يوم 20 مارس من كل سنة..
وبين محدثنا أن الدورة تأخذ مجراها، ورأى في التذكير بهذا الموضوع نوعا من تثبيت العادات الشعبية التي تعتبر هامة كموروث ثقافي شعبي نشأ وانتشر، على أساس أن هذه التسميات معروفة في كل البلاد تقريبا
..
هذا والله أعلم
منقول